جفاف وإهمال.. من "النيـلوفر" إلى "أورميا" كيف وصلت إيران إلى شفير فقدان بحيراتها؟

جفاف وإهمال.. من "النيـلوفر" إلى "أورميا" كيف وصلت إيران إلى شفير فقدان بحيراتها؟
جفاف بحيرة "سراب نیلوفر"

 

بحيرة "سراب نيـلوفر" الصغيرة في مقاطعة كرمانشاه غربي إيران جفّت تماماً، وفق ما صرح به رئيس دائرة البيئة بالمحافظة، محمد حسين فلاحتي، بعد جولة ميدانية أظهرت أن معدل انبثاق المياه بلغ الصفر وأن موارد المياه الجوفية تراجعت بدرجة حادة جراء سنوات من الجفاف والاستغلال المفرط للآبار، ووقع الإعلان المحلي عن فقدان آخرِ ما تبقّى من هذا المنظر الطبيعي الشهير صرخة إنذار، لكنه أيضاً حلقة في سرد أوسع يضم عشرات الأحواض المائية والبحيرات التي اقتربت أو وصلت إلى حالة الجفاف الكامل في أنحاء البلاد.

لماذا يهم اختفاء سراب نيـلوفر؟

"سراب نيـلوفر" لم يكن مجرد مكان سياحي؛ كان مصدر حياة محلياً للأنواع المائية وللمجتمعات المجاورة، ويمثل جزءاً من نظام مائي متكامل يعتمد على التغذية الجوفية والينابيع المحلية، وجفافه يرمز إلى تآكل شبكة موارد المياه السطحية والجوفية في إيران، ويعني خسارة خدمات بيئية أساسية: تنقية مائية طبيعية، مخزون للتنوع الحيوي، ومنطقة تلطيف للحمى الصيفية. الإعلان الرسمي ربط الجفاف بالانخفاض الكبير في معدلات الأمطار والاستغلال المفرط للمياه الجوفية، رغم إجراءات محلية مثل إغلاق بعض الآبار غير المرخّصة التي لم تعد كافية وفق "إيران إنترناشيونال".

موجة جفاف وطنية

بيانات وتحليلات صور الأقمار الصناعية والتقارير الإعلامية والحكومية أجمعت في الأسابيع الأخيرة على أن تسعة مواقع رطبة ومنابع مهمة وصلت إلى حدّ الانعدام المائي بنهاية السنة المائية، شملت مناطق معروفة مثل بختگان، حوض سلطان، مهارلو، گاوخوني وهامون، إضافة إلى تهديد متزايد لبحيرة أورميا المصنفة على مدى سنوات أنها حالة إنذار بيئي بارزة. وتؤدي هذه الخسائر المجتمعة إلى تحول مساحات واسعة إلى أسرّة ملحية أو قنوات جافة قادرة على توليد عواصف ملحية وغبار حملت أذرعها أخيراً إلى مناطق بعيدة عن الحوض الأصلي. 

التغير المناخي وسلوكيات بشرية غير مستدامة

الخبراء يشددون على أن التغير المناخي قلّص هطول الأمطار وموسمية التغذية السطحية، لكن العامل الحاسم في تعميق الأزمة هو التدخل البشري من خلال حفر ملايين الآبار، والاعتماد المكثف على الري السطحي لمحاصيل شديدة الاستهلاك المائي، وبناء سدود ونُظم نقل مياه لم تُبنَ وفق تقييمات متوازنة للحوض المائي، فضلاً على سياسات زراعية تشجّع تعميم محاصيل مكثفة المياه، وربطت تقارير وتحليلات صحفية وميدانية الأزمة أيضاً بانهيار الاحتياطات في السدود وزيادة ظاهرة (الهبوط الأرضي) الناتج عن استنزاف المياه الجوفية، ما يزيد من عدم قابلية استعادة قدرات المخزون المائي الجوفي. هذه العوامل مجتمعة تجعل الأزمة أكثر من مجرد جفاف عابر؛ إنها أزمة نظامية في إدارة المياه. 

التداعيات الإنسانية والصحية والاقتصادية

جفاف الأحواض المائية يؤدي سريعاً إلى تدهور سبل عيش مزارعين وصيادين ومجتمعات ريفية مترابطة بالبحيرات والمستنقعات، وتختفي مصادر صيد ورعي ومناطق الرعي، ويتعرض السكان لصدمات دخل وهجرة داخلية متزايدة، وبيئياً، تتولد طبقات ملحية وعواصف غبارية يمكن أن تنقل مسببات أمراض تنفسية وزيادة الضغوط الصحية على مراكز المدن القريبة، وقد أظهرت صور الأقمار الصناعية وسواحل الخليج أن الغبار الناتج عن الأراضي الجافة ينتقل لمسافات بعيدة، ما يضع مخاطر إضافية على الصحة العامة والسياحة والزراعة. 

ردود فعل المنظمات الدولية والمحلية 

المجالس والهيئات الدولية المتخصصة بمياه الأراضي الرطبة استجابت بتحذيرات وخطط طارئة؛ فقد حذر تقرير (Global Wetland Outlook) لعام 2025 من تسارع فقدان الأراضي الرطبة عالمياً وأشار إلى خسارة فوائد تقدر بتريليونات الدولارات إذا استمر التراجع دون استجابة منسقة، وعلى صعيد حقوق الإنسان، تؤكد مفاهيم الأمم المتحدة أن الماء عنصر أساسي من حقوق الإنسان -الحق في الحصول على مياه شرب وصرف صحي آمن- ما يجعل فشل السياسات المائية مسألة مؤسسية وحقوقية تستوجب استجابة حكومية تضمن الوصول الكافي والآمن إلى الماء للمواطنين، وطالبت منظمات حقوقية دولية ومحلية بربط استراتيجيات مواجهة الجفاف بسياسات حماية اجتماعية، ومنع قمع الاحتجاجات على الموارد، وضمان مشاركة المجتمعات المحلية في قرارات إعادة توزيع المياه. 

ملامح أزمة المياه في إيران ليست جديدة

شهدت مناطق مثل بحيرة أرومية ومستنقعات هامون تراجعات ملحوظة منذ عقود نتيجة مشاريع تحويل مياه ودوران زراعي غير مستدامة، وسراب نيـلوفر جفّت أيضاً في فترات سابقة (1999 و2015)، ما يعكس دورة تأرجح بين سنوات من القصور المائي والسياسات التي لم تعالج السبب البنيوي، وهذا التاريخ القصير يؤكد أن الحلول المؤقتة لا تكفي إذا لم تعالج هندسة الإدارة المائية الوطنية والزراعية وفق "إیران إنترناشيونال".

مطالب وحلول

الدعوات الحالية تتكرر حول ثلاث ركائز تتمثل في تقليل الاعتماد على الاستخراج الجوفي غير المستدام عبر ضبط حفر الآبار وتطبيق خطط لإعادة تعبئة الأحواض المائية، وإعادة هيكلة السياسة الزراعية باتجاه محاصيل أقل استهلاكاً للمياه ونُظم ري حديثة، واستثمارات عاجلة في ترميم الأحواض المائية الحساسة وتهيئة شبكات حماية صحية واقتصادية للمجتمعات المتأثرة. 

جفاف سراب نيـلوفر ليس خبراً طبيعياً محلياً فقط؛ إنه تسجيل جديد في ملف وطني متصاعد عن سوء إدارة الموارد ومؤشرات تغير مناخي لا يمكن تجاهلها. وإنقاذ ما تبقّى من أحواض إيران المائية يتطلب قرارات سياسية سريعة وغير تقليدية، وشفافية في إدارة المياه، ومشاركة مجتمعية حقيقية، وربط حقوق الناس بالممارسات البيئية، وإلا فستكون الخسائر البيئية مصحوبة بأزمات إنسانية واقتصادية وسياسية يصعب احتواؤها لاحقاً.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية